كيف يوثّق الأسرى المحرّرون ما تعرّضوا له من تعذيب؟ … دليل قانوني وطبي موسّع بعد صفقة “طوفان الأقصى


كيف يوثّق الأسرى المحرّرون ما تعرّضوا له من تعذيب؟ … دليل قانوني وطبي موسّع بعد صفقة “طوفان الأقصى

  

كيف يوثّق الأسرى المحرّرون ما تعرّضوا له من تعذيب؟ …

دليل قانوني وطبي موسّع بعد صفقة “طوفان الأقصى

 

تضامن
مع خروج دفعات من الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة صفقة طوفان الأحرار، يظهر جليّاً أن ما تعرضوا له داخل سجون الاحتلال – من تجويع، تعذيب، حرمان من العلاج، وإهمال – ليس مجرد انتهاك لحقوق فردية بل يدخل في إطار الجرائم الدولية. للتمكين من مساءلة فاعلة، يبدو أن التوثيق الطبي والقانوني المنهجي ليس خيارًا بل ضرورة حتمية.

 

الإطار القانوني الدولي

  1. اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة (UNCAT) التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1987، تُلزم الدول الأطراف بـ: “ضمان أن يكون للضحية من أعمال التعذيب حق قابل للتنفيذ في الحصول على الإنصاف والتعويض …” (مادّة 14)
  2. الوثائق العامّة مثل دليل إسطنبول: التوثيق الطبي‑القانوني الفعّال للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة (Istanbul Protocol) تُعدّ معياراً دولياً معترفاً به لكيفية التحقيق والتوثيق الطبي-القانوني في حالات التعذيب
  3. كذلك، مبادئ مثل Principles on the Effective Investigation and Documentation of Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment تُحدد متطلّبات أساسية للتحقيق والتوثيق الفعّال
  4. تجدر الإشارة إلى أن حظر التعذيب يُعد من الحقوق اللامتلفةً (non-derogable) حتى في حالات الطوارئ.

بهذا، فإن كل عملية توثيق يجب أن تُبنى على هذه الأُطر — لا اعتبار للتوثيق العشوائي أو غير المعتمد إذا كان مقبلاً للتقديم القانوني لاحقاً.

 

لماذا التوثيق العاجل مهم؟

  • بعض الإصابات أو الأعراض الجسدية أو النفسية قد تتلاشى أو تُعالج قبل أن تُجري الفحوصات أو تدون. لذا التوثيق بسرعة يعزّز مصداقية الملفات.
  • التوثيق المنهجي — وفق معايير مثل الـIstanbul Protocol — يجعل التقرير الطبي أو الإفادة القانونية قابلة للاعتماد في المحاكم أو الهياكل الحقوقية.
  • في سياق الأسرى الذين تعرضوا لانتهاكات كبيرة (تجويع، منع معالجة، تعذيب) فإن الفجوة الزمنية تُضعف فرص المحاسبة، لذا فإن الدفع بالتوثيق هو دفع بالمساءلة.

 

خطوات العملية: من التوثيق الطبي إلى المسار القانوني

أ. التوثيق الطبي-الشرعي

  • على كل أسير محرّر أن يخضع لفحص طبي شامل فوراً: فحوصات بدنية، تقييم نفسي، وسجّلات لما يُمكن أن تكون له علاقة بالتعذيب أو المعاملة السيئة.
  • التقرير الطبي يجب أن يُعدّ وفق المعايير المهنية والشرعية، ويُوصى بأن يتضمّن: وصف الإصابات، رابط الزمان والمكان، علاقة بين ما ورد في الشهادة وما ورد في الفحص، تأثيرات على الحركة أو النفس أو الذهنية.
  • يُفضّل أن يكون التقرير مدعوماً بصور أو أشعّة أو ملحقات تُظهر الحالة وقت الفحص.
  • فإن حالة الأسرى الفلسطينيين تُظهر “أجساداً هزيلة وإعاقات حركة وذهنية” مما يعزّز الحاجة لتوثيق شامل منذ اللحظة الأولى.

ب. التوثيق القانوني والشهادة

  • بالإضافة إلى التقرير الطبي، ينبغي الحصول على إفادة مكتوبة أو مصوّرة من الأسير أو من ينوب عنه، تشرح بالتفصيل ما تعرض له: مكان الاحتجاز، الزمان، نوع المعاملة، من ارتكبها، وكيف أثّرت.
  • يُثبّت ذلك أمام محامين أو منظمات حقوق إنسان، وتُحفظ نسخ هذه الإفادة مع التوقيع أو القسم إن أمكن.
  • تسجيل شهادات مصوّرة يُعزّز من قوة الملف عند التقديم للجهات القانونية أو الدولية.

ج. تجميع الملف الحقوقي/القانوني

  • بعد جمع التقرير الطبي والإفادة، تُضمّن هذه الوثائق ضمن ملف يُقدّم إلى مؤسسة حقوقية دولية أو محام مختص في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.
  • جهات مختصة تستطيع التوجه:
    • إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف تحت البند السابع (بالنسبة إلى الانتهاكات الإسرائيلية).
    • أو إلى آليات الـولاية القضائية العالمية التي تتيح ملاحقة مرتكبي الانتهاكات حتى إن لم يتواجدوا في نفس الدولة.
    • أو إلى المحكمة الجنائية الدولية (ICC) إذا توفرت عناصر الجرائم الدولية (جرائم حرب/جرائم ضد الإنسانية).

د. المتابعة والمساءلة

  • يجب على الجهة الحقوقية أو القانونية متابعة الملف: التأكد من تسجيله، حفظ السجلات، طلب التعويض أو إعادة التأهيل إن وجدت، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين سواء كانوا أفراداً أو جهات.
  • التأكيد على أن “الجرائم لا تسقط بالتقادم” أمر وارد، لكن كلّما طال الزمن زادت الصعوبات – لذا سرعة التوثيق والمبادرة مهمّة.

 

ما الذي يُميّز هذا السياق الفلسطيني؟

  • الأسرى المحرّرون من الاحتلال الإسرائيلي، وفي صفقة “طوفان الأحرار”، يعانون من إهمال طبي كبير وتعذيب مُمنهج — ما يُجعل حالتهم أقرب إلى ما وصفه الخبراء بأنه “جرائم ضد الإنسانية” أو “جرائم حرب”.
  • في مثل هذا السياق، يُصبح التوثيق ليس فقط واجباً على المستوى الفردي، بل مسؤولية مؤسسية وجماعية: منظمات حقوق إنسان، أطراف طبية، ومحامون دوليون.
  • التوثيق الجيد يفتح الباب أمام محاسبة الاحتلال أو الأطراف المسؤولة — عبر ملفات تُشكَّل اليوم وتُقدَّم غداً عند الظروف الملائمة.

 

تحديات وملاحَظة ختامية

  • قد تواجه الأسرى أو ذووهم صعوبات في الوصول إلى طبيب مستقل أو إجراء فحص شامل في الزمان المحدود بعد الإفراج.
  • هناك احتمال تلاشي بعض العلامات أو التغييرات الجسدية أو النفسية، لذا السرعة والأولوية للتوثيق مهمّان.
  • أيضاً، قد تكون هناك عراقيل قانونية أو سياسية في الدول التي تسمح بملاحقة الانتهاكات — لذا اختيار محام مختص أو جهة دولية ذات خبرة يُعدّ خطوة أساسية.
  • أخيراً، التوثيق ليس غاية بحد ذاته، بل مرحلة أولى نحو العدالة والمساءلة. “كل تقرير، كل شهادة، هي سجلٌّ يُضاف إلى أرشيف الحقوق”.