نوفمبر/تشرين الثاني 2025
أولًا: مقدمة عامة — حرب مُعلنة على الطفولة الفلسطينية
منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجد الطفل الفلسطيني نفسه في قلب عاصفة غير مسبوقة من العنف البنيوي والممنهج، في مرحلة يمكن وصفها دون مبالغة بأنها الأكثر قسوة ووحشية في تاريخ استهداف الأطفال الفلسطينيين.
ففي الوقت الذي تُلزم فيه اتفاقية حقوق الطفل (CRC) — ولا سيما في مادتها (38) — الدول الأطراف بحماية الأطفال من آثار النزاعات المسلحة، اختارت إسرائيل مسارًا معاكسًا تمامًا، حيث تحوّل الطفل الفلسطيني إلى هدف مباشر لسياسات الاعتقال، والتعذيب، والتحطيم النفسي، والإخفاء القسري، ضمن منظومة عقابية متكاملة تستهدف الجيل الفلسطيني برمّته.
لم يعد اعتقال الأطفال استثناءً أو "إجراءً أمنيًا" تدّعيه السلطات، بل أصبح سياسة مُحكمة تقوم على نزع الطفولة وتحويلها إلى ساحة حرب مفتوحة، تُدار فيها أدوات القمع بهدف كسر الشخصية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى.
فالطفل لا يُعتقل بسبب "مخالفة" مزعومة، بل لأن الاعتقال ذاته تحوّل إلى أداة هندسة اجتماعية تستهدف بنية المجتمع الفلسطيني، وتعمل على تفكيك نُظمه النفسية والاجتماعية، وإنتاج صدمات ممتدة سترافق الجيل لعقود.
وتشير الإفادات الميدانية، والشهادات الموثقة من مؤسسات فلسطينية ودولية، وتقارير محامين زاروا الأطفال في السجون والمعسكرات، إلى أن الاستهداف يجري على مستويين رئيسيين:
1. الاستهداف الجسدي المباشر
ويتضمن أشكالًا متعددة من العنف الممنهج، من بينها:
هذه الممارسات تشكّل تعذيبًا وفق المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)، ومعاملة قاسية وفق اتفاقية جنيف الرابعة، وجرائم حرب وفق المادة (8) من نظام روما الأساسي.
2.الاستهداف النفسي والتحطيم المعنوي
وهو الأخطر على المدى البعيد، ويشمل:
تمثل هذه الانتهاكات خرقًا صريحًا للمادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل، التي تحظر التعذيب والعزل والاحتجاز التعسفي للأطفال.
هندسة العنف: من الإجراءات إلى استراتيجية مُحكمة
بهذه المنهجية يتحوّل الاعتقال من مجرّد إجراء قمعي إلى هندسة عنف شاملة تسعى لتدمير الجيل الفلسطيني جسديًا ونفسيًا، وزرع جروح لا تندمل، بما يشكّل اعتداءً مباشرًا على مستقبل المجتمع الفلسطيني وقدرته على التعافي.
هذه الحرب على الطفولة ليست أداة جانبية في منظومة القمع، بل ركيزة أساسية في سياسة رسمية تُمارَس على مرأى العالم، دون محاسبة، ودون التزام بأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني.
ثانيًا: الاعتقال — من البيت إلى المعبر إلى الشارع
رحلة القهر التي تبدأ قبل السجن
لم يعد الاعتقال بعد 7 أكتوبر 2023 فعلًا أمنيًا محدودًا بالجنود والبوابات، بل أصبح سلسلة ممتدة من الملاحقة تبدأ قبل الزنزانة بكثير. بات الطفل الفلسطيني مُستهدفًا في بيته، في الشارع، عند المعبر، وحتى أثناء بحثه عن لقمة الخبز.
إنها رحلة قهر متكاملة العناصر، تقوم على إذلال الطفل وإدخاله في دائرة خوف طويلة المدى، لتغدو لحظة الاعتقال نفسها تتويجًا لمسار كامل من الإهانة والانتهاك.
1. الاعتقال من المنازل — اقتحامات الفجر كسياسة رعب ممنهجة
تُظهر الإفادات المتطابقة للأطفال المحررين وعائلاتهم أن اقتحامات الفجر أصبحت طقسًا أمنيًا ثابتًا في سياسة الاحتلال تجاه الأطفال الفلسطينيين. بين الثانية والرابعة فجراً، يتحول البيت — أكثر مساحات الطفل أمانًا — إلى ساحة صراخ، وركل للأبواب، وجرٍّ للأجساد الصغيرة من أسِرّتها.
أنماط ثابتة وموثقة في جميع الشهادات:
شهادة طفل (13 عامًا):
"صحّوني بخبطة قوية… صرت أرجف. مسكوني من إيدي وقلعوني من السرير وأنا لابس بيجامة. ما لحقت أفهم إشي… قالولي: امشِ معنا بس."
هذا النمط لا يُخالف فقط المادة (16) من اتفاقية حقوق الطفل التي تكفل حرمة الحياة الخاصة والسكن، بل يحوّل البيت — المكان الأكثر أمانًا في حياة الطفل إلى مساحة خوف أولى، في انتهاك عميق للبنية النفسية للطفل والأسرة.
وهو انتهاك صريح لـ:
إن انتزاع الطفل من نومه وتحويل لحظة الطمأنينة إلى لحظة صدمة محسوبة هو سياسة ترهيب طويلة الأمد، تهدف إلى خلق طفل يعيش بفكرة أن بيته ليس ملاذه… بل بوابة الخطر.
2. الاعتقال أثناء البحث عن الطعام — تجريم النجاة
شهادة الطفل محمود – غزة (14 عامًا)
كان محمود يُحاول الحصول على الخبز من مركز توزيع المساعدات عندما طوّقته قوة خاصة واعتقلته:
"حكيتلهم رايح آخذ خبز… ربطوني وضربوني… ما خلّوني أحكي ولا كلمة."
محمود لم يكن يحمل سلاحًا، ولا كان في مواجهة. كان ببساطة يحاول النجاة، غير أن الاحتلال جعل فعل البحث عن الطعام نفسه جرمًا يُعاقب عليه الطفل بصفعة، وبالأصفاد، وبالاختفاء.
يُعد هذا السلوك انتهاكًا مركبًا لعدة حقوق أساسية:
3. الاعتقال عند الحواجز والمعابر — الطفل كمشتبه أمني
تحوّلت الحواجز والمعابر إلى بؤر اعتقال مفتوحة، يتعرض فيها الأطفال للاحتجاز دون سبب، حتى في حالات المرض الطارئ.
شهادة الطفلة يارا أبو دقة (13 عامًا):
كانت يارا متجهة عبر معبر بيت حانون لاستكمال علاجها إثر إصابة خطيرة في القدم. رغم التقارير الطبية المرفقة معها، أوقفتها القوات الإسرائيلية لعدة ساعات:
"كنت موجوعة كتير… حكيتلهم معي تحويلة للمستشفى… ما حدا رد. قعدوني على الأرض وضلّوني أستنى… بعدين رجعوني."
هذا السلوك يشكل انتهاكًا مباشرًا للمادة (24) من اتفاقية حقوق الطفل التي تكفل الحق في الصحة والعلاج دون تمييز، ويكشف سياسة تستهدف حتى الأطفال المرضى والجرحى، عبر تحويلهم إلى "مشتبهين أمنيين" لمجرد عبورهم حاجزًا عسكريًا.
إن استهداف الأطفال المرضى يرقى إلى:
ثالثًا: التعذيب الجسدي — عنف مُمنهج ومتعمد
لم يكن الضرب أو الإيذاء الجسدي ممارسة عابرة داخل السجون والمعسكرات الإسرائيلية؛ بل شكّل — وفق الشهادات المتطابقة — منهجًا ثابتًا يجري تطبيقه على الأطفال الفلسطينيين منذ اللحظة الأولى للاعتقال وحتى الإفراج.
وتكشف الإفادات عن نمط عنف متكرر يُستخدم مع جميع الفئات العمرية، بما في ذلك الأطفال من 10 إلى 17 عامًا، في انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية جنيف الرابعة.
أساليب التعذيب الجسدي التي ذكرها الأطفال تشمل:
هذه الأساليب تكشف عن نية واضحة للتسبب بألم شديد وممتد، وليس مجرد استخدام "قوة مفرطة". إنها تعذيب صريح بحسب تعريف المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب.
شهادة طفل (14 عامًا) — الألم الذي يلتصق بالجسد
يقول طفل يبلغ من العمر 14 عامًا، بعد أيام من الإفراج عنه:
"كنت أسمع صوت فكي وهو بطق…
وجهي صار كله دم…
ما قدرت أرفع رقبتي يومين."
هذه الكلمات تلخّص حجم العنف الذي يتعرض له الأطفال:
ألمٌ يبلغ حدّ سماع المفصل وهو يتفكك، ودماء تغرق الوجه، وجسد طفولي غير قادر على حمل رأسه بعد جلسة التعذيب.
رابعًا: التعذيب بالوضعيات القسرية — الألم الذي لا يترك أثرًا
يمثل التعذيب بالوضعيات القسرية أحد أكثر الأساليب التي يلجأ إليها الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين، نظرًا لقدرته على إحداث ألمٍ شديد ومتواصل دون ترك آثار جسدية واضحة، الأمر الذي يُسهّل إنكار الجريمة أمام الهيئات الرقابية.
وتُظهر الشهادات الموثقة من أطفالٍ محررين من غزة والضفة والقدس نمطًا متكررًا ومتعمدًا، يكشف عن سياسة واضحة تعتمد على إنهاك الجسد الصغير ودفعه إلى الانهيار الكامل.
أنماط الوضعيات القسرية المستخدمة ضد الأطفال
يتكرر استخدام عدة وضعيات مرهقة ومؤلمة، من بينها:
هذه الوضعيات تفرض ألمًا حادًّا، يزداد تدريجيًا مع مرور الوقت، وقد تسبب:
وهي آثار سجّلتها منظمات مثل أطباء لحقوق الإنسان – إسرائيل (PHR) في تقاريرها حول التعذيب بعد 7 أكتوبر.
شهادة طفل من غزة — وجع لا يحتمله جسد صغير
يقول طفل (14 عامًا) مفرج عنه من أحد المعسكرات الميدانية في الجنوب:
"ضلّوني على الركب 5 ساعات… حسّيت رجلي ماتت… وصرت أعيّط من الوجع."
يصف حقوقيون هذه اللحظة بأنها ليست مجرد ألم جسدي، بل انهيار نفسي متعمّد، لأن الطفل يدرك أن أحدًا لن ينقذه، وأن الألم هو الرسالة المقصودة.
لماذا يلجأ الاحتلال لهذا النوع من التعذيب؟
لأن الوضعيات القسرية:
البعد القانوني
تشكل هذه الممارسات انتهاكًا مباشرًا لـ:
وبحسب خبراء الأمم المتحدة، فإن استخدام التعذيب ضد الأطفال يرتقي إلى جريمة مضاعفة، لأن الضحية قاصر، وغير قادر على حماية نفسه أو طلب المساعدة.
خامسًا: التجويع — سياسة قتل بطيء للأطفال
لا يُعدّ التجويع مجرد انتهاك لاحتياجات الطفل الأساسية، بل هو سياسة عقابية تمارسها سلطات الاحتلال بصورة منظمة داخل السجون والمعسكرات، بهدف إنهاك الجسد الصغير وإضعاف القدرة الذهنية والنفسية.
وتشير شهادات الأطفال المفرج عنهم إلى نمط ثابت من الحرمان الغذائي يرقى إلى التعذيب وفق المادة (1) من اتفاقية مناهضة التعذيب، ويمثل جريمة حرب بموجب المادة (8) من نظام روما الأساسي.
يصف الأطفال ممارسات متكررة، أبرزها:
هذه الأساليب ليست عشوائية، بل تُستخدم لخلق حالة من الإنهاك الدائم، وإضعاف المناعة، ومنع القدرة على المقاومة أو التفكير بوضوح.
استشهاد الطفل وليد أحمد (17 عامًا)
تُعدّ قضية وليد أحمد واحدة من أكثر الشواهد وضوحًا على استخدام التجويع كوسيلة قتل بطيء.
أظهر تقرير الطب الشرعي المستقل أن سبب الوفاة هو التجويع الممنهج وفشل الجهاز الحيوي نتيجة الحرمان الغذائي والإهمال الطبي المتعمّد.
موته ليس حادثًا منفردًا، بل جزء من سياق واسع لانتهاكات غذائية ممنهجة طالت الأطفال الأسرى، وتشكل:
سادسًا: الاعتقال الإداري — طفولة بلا زمن
لا توجد جريمة تُصيب الزمن بالعطب مثل الاعتقال الإداري حين يُفرض على طفل. فهذه السياسة، التي بُنيت على الغموض المطلق وغياب التهمة وامتداد الاحتجاز بلا سقف، تحوّل السنوات الأكثر حساسية في نمو الطفل إلى فراغ مظلم لا يملك السيطرة عليه ولا يفهم حدوده. بعد 7 أكتوبر 2023، اتسع نطاق استخدام الاحتلال للاعتقال الإداري ضد الأطفال في الضفة الغربية والقدس بشكل غير مسبوق، ضمن مسار يكرّس غياب اليقين كأداة للعقاب النفسي طويل الأمد.
تُصدر الأوامر عادة لمدة تتراوح بين شهرين إلى ستة أشهر، لكنها قابلة للتجديد مرات متتالية دون حد أقصى، بحيث يستيقظ الطفل كل بضعة أشهر على خبر تجديد اعتقاله دون معرفة الأسباب ودون إمكانية الدفاع عن نفسه أو حتى معرفة "ما الذي يجب أن ينفيه". هنا، تتحوّل حياة الطفل إلى دورة مغلقة من الانتظار والقلق، ويجد نفسه محتجزًا في "زمن مسروق" لا يعرف متى ينتهي.
طفل بلا جواب… ولا أفق
يقف الطفل المعتقل إداريًا أمام ثلاثة أسئلة لا يستطيع أحد أن يجيب عنها:
لماذا تم اعتقاله؟ يستخدم الاحتلال "الملف السري" لمنع الطفل من فهم ما يجري حوله، وكأن الغموض ذاته هو جزء من العقوبة.
يقول أحد الأطفال المحررين (15 عامًا):
"حاسس إني محبوس بوقت ماله نهاية… كل يوم ببدأ من جديد."
هذه الجملة ليست وصفًا لحالة نفسية عابرة، بل تعبير دقيق عن ما يُعرف في الطب النفسي بـ "اضطراب التوجّه الزمني"، حين يفقد الإنسان القدرة على إدراك بداية الأحداث ونهايتها، ما يؤدي إلى تشوش عام، قلق شديد، ونوبات هلع مستمرة.
يُعدّ الاعتقال الإداري للبالغين انتهاكًا قانونيًا خطيرًا، لكنه يصبح في حالة الأطفال تعذيبًا نفسيًا مباشرًا وفق تعريف الأمم المتحدة للتعذيب، الذي يشمل:
وتؤكد لجنة مناهضة التعذيب (CAT) أن "الاحتجاز الذي يسبب ضغطًا نفسيًا عميقًا ويحرم الضحية من الشعور بالزمن" يُعدّ شكلًا من أشكال التعذيب النفسي، خاصة إذا كان المتضرر طفلًا.
الأثر النفسي طويل الأمد
تشير دراسات طبية إلى أن الأطفال المعتقلين إداريًا معرضون لاضطرابات مثل:
ويؤكد أطباء نفسيون فلسطينيون أن بعض الأطفال الذين خضعوا للاعتقال الإداري "عادوا إلى المنزل وكأنهم أكبر بعشر سنوات"، بسبب الضغط النفسي الحاد الذي مرّوا به داخل السجن ومع كل تجديد جديد.
خلاصة قانونية
يخالف الاعتقال الإداري بحق الأطفال:
يمثل الاعتقال الإداري أحد أكثر أنماط القمع التي تستهدف الزمن النفسي للطفل الفلسطيني، لا جسده فقط. فحين يُحتجز الطفل في زمن بلا بداية ولا نهاية، ويُحرم من المعرفة واليقين، ويُترك تحت رحمة التجديد المتكرر، فإننا أمام سياسة ممنهجة لتحطيم البنية النفسية للطفولة نفسها.
سابعًا: الحبس المنزلي — السجن بصيغة البيت
في القدس، لم يعد السجن بحاجة إلى جدران عالية أو بوابات معدنية؛ فقد ابتكر الاحتلال صيغة عقابية جديدة للأطفال تُسمّى الحبس المنزلي —إجراء يبدو في ظاهره "أخفّ من الاعتقال"، لكنه في واقع التجربة أشد قسوة وأكثر تدميرًا للبنية النفسية والاجتماعية للطفل ولأسرته.
فالمنزل، الذي يُفترض أن يكون مساحة الأمان والحنان والنمو، يتحوّل فجأة إلى زنزانة مغلقة، يَمنع الطفل من المدرسة، من اللعب، من الحيّ، ومن الحياة نفسها.
الحبس المنزلي لم يكن يومًا "إجراء احترازيًا"، بل تحوّل إلى عقوبة ممنهجة تستخدمها سلطات الاحتلال بحق أطفال القدس بهدف كسر حضورهم الاجتماعي، ومعاقبة أسرهم، وإضعاف الروابط العائلية من الداخل.
1. آليات العقوبة — سجن بلا سجن
تتضمّن أوامر الحبس المنزلي جملة من الإجراءات التي تعيد تشكيل حياة الطفل بالكامل:
2. شهادات أطفال — البيت صار زنزانة
يشكّل كلام الأطفال مرآة دقيقة لهذه التجربة الموجعة:
3. أثر نفسي يمتد لسنوات: الحبس المنزلي ليس مجرد تقييد حركة؛ إنه صناعة بطيئة للعزلة والخوف. تشير دراسات نفسية إلى أن الأطفال الخاضعين للحبس المنزلي يعانون من:
يصف الأخصائيون هذه الحالة بأنها "حبس نفسي طويل الأمد"، لأن الطفل يعيش تجربة السجن لكن دون إطار واضح لنهايتها.
4. الأثر على الأسرة — عقوبة جماعية مقنّعة
لا يعاقَب الطفل وحده. فالحبس المنزلي يضرب قلب الأسرة عبر:
5. الحبس المنزلي في ميزان القانون
يتعارض الحبس المنزلي بشكله المطبق في القدس مع:
لكن في القدس، يُستخدم الحبس المنزلي كوسيلة لإهانة الطفل، تفكيك الأسرة، ومنع الطفل من أي دور اجتماعي في المستقبل.
الحبس المنزلي، كما يُطبّق في القدس، هو سجن بصيغة البيت:
سجن بلا قضبان، لكنه محاط بالحرمان، الخوف، والعزلة، وهو عقوبة متفاوتة المدى تصنع طفلًا محاصرًا داخل بيته، وأسرة تعيش دور السجان والمعتقل في آن واحد.
إنها سياسة عقابية ممنهجة تستهدف بنية الطفولة نفسها، وتجعل من المنزل—مكان الأمان—ساحة خوف طويلة الأمد.
ثامنًا: الحرمان من التعليم — تدمير المستقبل
لا يكتفي الاحتلال بتقييد حرية الطفل الفلسطيني واعتقاله جسديًا؛ بل يذهب إلى ما هو أبعد وأعمق، قطع الجذور التعليمية التي تُبنى عليها شخصية الطفل ومهاراته ومستقبله.
فالحرمان من التعليم داخل السجون لا يُعتبر مجرد انتهاك عابر، بل جريمة منظمة تُمارس بهدف تدمير الإمكانات الذهنية والمعرفية للأطفال المعتقلين، وتجريدهم من حقهم الطبيعي في التعلم والنمو.
إن المدارس تبني المستقبل، لكن داخل السجن، يصبح التعليم آخر شيء يمكن الوصول إليه، وكأنه ليس حقًا أساسيًا، بل "امتيازًا" يعاقَب الطفل بحرمانه منه.
1. أدوات الحرمان — قتل المعرفة ببطء
داخل السجون ومعسكرات الاحتجاز، يُحرم الأطفال الفلسطينيون من أبسط عناصر العملية التعليمية:
بهذه الأدوات، ينجح الاحتلال في تعطيل تطور الطفل الذهني بالكامل خلال فترة اعتقاله، مهما كانت قصيرة.
2. شهادة طفل — "نسيت شكل الدفتر"
تختصر شهادة أحد الأطفال (15 عامًا) جوهر هذا الانتهاك الخطير: "نسيت شكل الدفتر… وصرت أغلط بكتابة اسمي."
هذه ليست مبالغة، بل حقيقة طبيعية لطفل انقطع عن التعليم، وابتعد عن الكتابة، وعاش تحت ضغط وقلق وحرمان.
يتحدث الأطفال المحررون عن تراجع لغوي، وضعف في الذاكرة، وصعوبة في التركيز—وهي آثار تؤكدها الدراسات النفسية حول الحرمان التعليمي في البيئات القسرية.
3. الأثر النفسي والمعرفي — محو تدريجي للطفولة
يترك الحرمان من التعليم آثارًا عميقة على الطفل، منها:
فقدان المهارات الأساسية كالكتابة والقراءة السلسة
انخفاض القدرة على التركيز والانتباه
فقدان الدافعية للتعلم نتيجة الإحباط
اضطرابات في الذاكرة بسبب الضغط النفسي
تراجع في الثقة بالنفس لاعتقاد الطفل أنه “صار ضعيفًا في الدراسة”
شعور بالخوف من العودة إلى المدرسة
إحساس دائم بالعجز والفقد
يروي أحد الأطفال من رام الله (16 عامًا):
"لما طلعت من السجن، أعطاني أخوي كتاب أقرأه… حسّيت الكلمات غريبة، مش إلي".
إنها ليست مجرد فجوة تعليمية، بل انقطاع وجودي يُفقد الطفل صلته بنفسه وبمستقبله.
4. البعد القانوني — انتهاك واضح وصريح
يمثّل الحرمان من التعليم خرقًا مباشرًا لاثنتين من أهم مواد اتفاقية حقوق الطفل (CRC):
- المادة 28: حق الطفل في التعليم، وواجب الدولة في ضمان الوصول إليه دون تمييز.
- المادة 29: تنمية شخصية الطفل ومهاراته وقدراته العقلية إلى أقصى حد.
لكن في السجون الإسرائيلية، تتحول هذه الحقوق إلى نصوص مهجورة، ليعيش الطفل تجربة تعليمية قائمة على الحذف: حذف الكتب، حذف الصف، حذف المستقبل.
كما يخالف هذا الحرمان:
- قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)
- مبادئ الأمم المتحدة بشأن الأطفال في نظام العدالة
- اتفاقية جنيف الرابعة التي تضمن استمرار حق التعليم للأطفال المدنيين تحت الاحتلال
خلاصة هذا الفصل
الحرمان من التعليم داخل السجون ليس خطأ إداريًا ولا نتيجة ظرف عابر؛
إنه سياسة ممنهجة تستهدف تعطيل العقل الفلسطيني منذ الطفولة، وتفريغ الجيل القادم من إمكاناته.
فالطفل الذي يُمنع من التعلم اليوم، يُحرم غدًا من فرصه، ومن أحلامه، ومن حقه في بناء ذاته.
إنه شكل من أشدّ أشكال القمع غير المرئي— قمع يقتل المستقبل قبل أن يكتمل.
تاسعًا: التعذيب النفسي — حالة فارس (16 عامًا)
يُعدّ التعذيب النفسي أحد أخطر الأساليب التي تُمارس بحق الأطفال الفلسطينيين داخل السجون ومعسكرات الاحتجاز، لأنه لا يترك آثارًا جسدية فورية، لكنه يفتك بالبنية الداخلية للطفل، ويُحدث تدميرًا طويل المدى يصعب التعافي منه. وتبرز شهادة فارس (16 عامًا) كنموذج صادم وموثّق لطبيعة هذا التعذيب، حيث تتداخل الإهانات، والتهديدات الجنسية، والاعتداء على الروابط العائلية، مع تعذيب جسدي ممنهج.
1. تفاصيل الشهادة — كسر الروح قبل الجسد
فارس، وهو طفل لم يتجاوز السادسة عشرة، روى أنه تعرّض لأحد أبشع أنماط التعذيب النفسي، حين استخدم المحققون الترهيب العائلي كسلاح لإخضاعه : عرضوا عليه صورة مفبركة لوالدته كجزء من عملية الضغط. قال له أحد المحققين: "اغتصبناها… وقتلناها." فانهار فارس بالبكاء، وفقد السيطرة على نفسه. استغل الجنود انهياره، فعُلّق وضُرب لأيام متتالية. وتعرّض للإهانات، والتهديد المستمر، والصراخ في وجهه، والتجريد من أي شعور بالأمان.
لم يكن الهدف مجرد انتزاع اعتراف، بل تحطيم الصلة العاطفية الأساسية في حياة الطفل: الأم.
2. الجرح النفسي — انهيار طفل أمام الألم
خلّفت هذه التجربة آثارًا نفسية قاسية على فارس، منها:
كوابيس ليلية متكررة: يرى فيها أمه تتعرض للأذى أو يفقدها مجددًا.
تبول لا إرادي: ظهر بعد أيام من التعذيب، واستمر حتى بعد الإفراج.
نوبات هلع: تشمل رعشة في الأطراف، وتسارع ضربات القلب، وصعوبة في التنفس.
خوف عميق من النوم: لأنه يربط النوم بالكوابيس والعودة إلى مشاهد التهديد.
تجنب الحديث عن والدته: كاستجابة لصدمات مرتبطة بالشعور بالذنب والخوف عليها.
يؤكد الأخصائيون النفسيون أن هذه الأعراض هي علامات واضحة لاضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) الناتج عن التعذيب.
3. التعذيب عبر الروابط الأسرية — اعتداء على الهوية العاطفية للطفل
تستخدم سلطات الاحتلال التهديد بالأم، الأب، أو الأشقاء كوسيلة قمعية مباشرة، لأنها تضرب قلب الهوية العائلية للطفل. فالطفل الفلسطيني يعتمد على أسرته ليس فقط للعاطفة، بل للحماية، والاستقرار، والإحساس بالانتماء.ومهاجمة الأم تحديدًا يحمل دلالة نفسية شديدة القسوة، لأن الأم هي "الملاذ الآمن" في الجهاز النفسي للطفل.
وتهديد سلامتها يمثل نوعًا من تفكيك الذات، حيث يشعر الطفل أن عالمه ينهار، وأنه عاجز عن حماية أقرب الناس إليه.
4. الجريمة في ميزان القانون الدولي
تندرج الأفعال التي تعرض لها فارس ضمن أسوأ الجرائم الدولية:
اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)
التعذيب النفسي يساوي التعذيب الجسدي في الحظر والعقوبة.
يشمل التهديد بالأذى الجنسي لأقارب الضحية.
اتفاقية حقوق الطفل (CRC)
المادة 37: حظر التعذيب والمعاملة القاسية للأطفال.
المادة 39: حق الطفل في التعافي من الصدمات وإعادة الإدماج.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)
المادة 7: التعذيب والاضطهاد = جرائم ضد الإنسانية.
المادة 8: التعذيب النفسي للأطفال = جريمة حرب.
التهديدات الجنسية ضد ذوي الضحية تندرج ضمن العنف الجنسي النفسي.
القانون الدولي العرفي
يحظر استخدام التهديدات الجنسية أو العائلية كوسيلة استجواب.
ما تعرض له فارس ليس "إساءة نفسية"؛ إنه تعذيب كامل الأركان، وجريمة دولية تستوجب المساءلة.
تجربة فارس هي مثال واحد من عشرات الأمثلة على التعذيب النفسي الممنهج الذي يستهدف الأطفال الفلسطينيين.
إن استخدام التهديدات الجنسية، وتدمير الروابط العائلية، والاعتداء النفسي المتواصل ليست انتهاكات فردية، بل سياسة ممنهجة تُمارس داخل غرف التحقيق والزنازين.
ما تعرض له فارس هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، ودليل إضافي على أن استهداف الطفولة الفلسطينية يتم ليس فقط من خلال الاعتقال أو الضرب، بل عبر الاعتداء على القلب العاطفي والوجودي للطفل.
عاشرًا: معسكر سدي تيمان — مختبر التعذيب المنهجي للأطفال
يُعدّ معسكر سدي تيمان أخطر موقع احتجاز عسكري ظهر في تاريخ الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023.
فهذا المعسكر لم يُنشأ ليكون مركز توقيف مؤقت، بل تحوّل بسرعة إلى مختبر تعذيب ممنهج يُجرَّب فيه كل ما يمكن أن يفتك بجسد الطفل ونفسيته وروحه وعلاقته بالعالم.
تصف منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش وأطباء من أجل حقوق الإنسان وبتسيلم ما يجري في سدي تيمان بأنه "تعذيب منظم في منشأة مغلقة خارج أي رقابة"، بينما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أنه يمثل بنية احتجاز غير قانونية تعمل بمنهجية سرية، خصوصًا مع منع الصليب الأحمر، وغياب المحامين، وانقطاع الأطفال عن ذويهم كاملًا.
1. بيئة التعذيب — نظام يومي لإبادة النفس والهوية
في سدي تيمان، يتعرّض الأطفال لتشكيلة من أساليب التعذيب التي تُستخدم بشكل متتالٍ ومتشابك لإحداث انهيار نفسي وجسدي كامل:
موسيقى صاخبة متواصلة تُشغَّل لساعات طويلة لمنع التركيز وكسر الإرادة.
حرمان من النوم لليالٍ متواصلة، مع الإضاءة القوية والصراخ، ما يؤدي إلى تشوش ذهني وهلوسات.
صدمات كهربائية تصعق الأجساد الضعيفة بهدف الإخضاع والإذلال.
عضّ الكلاب حيث تُستخدم الكلاب المدرّبة كأداة إرهاب مباشر.
الإذلال والشتائم بما في ذلك الشتائم الجنسية والألفاظ المهينة للأسرة.
عزل تام يوضع الطفل في زاوية أو خلف شبك معدني، دون تواصل مع الآخرين.
حرمان كامل من العلاج حتى في الحالات التي يعاني فيها الطفل من كسور أو جروح أو أمراض.
تجويع ممتد عبر وجبة واحدة صغيرة يوميًا، أو أحيانًا الحرمان الكامل لمدد طويلة.
محاولات تجنيد قسرية عبر الضغط على الأطفال لتقديم معلومات عن مجتمعاتهم مقابل الطعام أو العلاج أو النوم.
إنها ليست ممارسات عشوائية؛ إنها سلسلة هندسية من أدوات التعذيب مصممة لكسر الطفل.
2. شهادة محمود (15 عامًا) — طفل عند حافة الانهيار
يروي محمود، البالغ من العمر 15 عامًا، واحدة من أبشع الشهادات الخارجة من المعسكر:
“ربطوني من إيديّ ورجليّ… ما كنت آكل… ما أنام… تمنّيت أموت.”
بحسب شهادته:
حاول الانتحار مرتين داخل المعسكر.
كان يبقى مربوطًا لساعات على الأرض دون حركة.
يتلقى ضربات على الرأس والبطن والرجلين.
يُترك بلا ماء، أو يُعطى جرعة صغيرة جدًا فقط.
يسمع صراخ المعتقلين ليلًا ونهارًا.
كان يرى كلبًا يقترب من وجهه وهو عاجز عن الدفاع عن نفسه.
أصيب بحالات فقدان وعي، وارتجاف، ونوبات بكاء غير إرادية.
يصف محمود محاولته الانتحار بأنه "لحظة ما شفتش فيها أي أمل… حسّيت حياتي خلصت قبل ما تبدأ"
إن محاولة طفل للانتحار داخل معسكر احتجاز عسكري ليست حادثة؛ إنها نتيجة مباشرة لبنية تعذيب منهجية.
3. سدي تيمان في ميزان القانون — جريمة كاملة الأركان
كل عنصر من عناصر البيئة في سدي تيمان يمثل خرقًا صريحًا لاتفاقيات دولية متعددة:
1. اتفاقية حقوق الطفل (CRC)
المادة 37: حظر التعذيب، والاحتجاز غير الإنساني.
المادة 39: حق الطفل في التعافي من العنف والأذى النفسي.
2. اتفاقية مناهضة التعذيب (CAT)
الصدمات الكهربائية، الحرمان من النوم، التجويع، التهديد، العزل…
جميعها تقع ضمن التعذيب كما عرّفته المادة 1.
3. اتفاقية جنيف الرابعة
تحظر المعسكرات السرية، والتجويع، وحرمان المدنيين من الرعاية.
4.نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC)
المادة 7: التعذيب الممنهج = جريمة ضد الإنسانية.
المادة 8: التعذيب في الاحتجاز = جريمة حرب.
محاولات التجنيد القسري للأطفال = جريمة حرب إضافية.
5. القانون الدولي العرفي يحظر الاحتجاز السري للأطفال بأي شكل.
وضع طفل في معسكر كـ سدي تيمان ليس "انتهاكًا"؛ إنه عملية تدمير ممنهجة لكرامة الطفل وحياته ووجوده، وجريمة دولية مكتملة الأركان.
الحادي عشر: المحاكمات العسكرية — قضاء يولد الأحكام قبل الجلسة
لا يمكن الحديث عن "محاكمة" طفل فلسطيني أمام محكمة عسكرية إسرائيلية دون الإقرار بأنها محاكمة بلا عدالة، وبلا ضمانات، وبلا أي صلة بمعايير القضاء الدولي.
فالمنظومة القضائية العسكرية صُممت لتكون امتدادًا للمؤسسة الأمنية، لا لضمان الحقوق. ولذلك، يتحول الطفل في هذه الجلسات إلى رقم في مسار إداري محكم، تتقرر نتيجته مسبقًا قبل أن يدخل القاعة.
المحاكمات العسكرية للأطفال ليست إجراءات قانونية؛ إنها عمليات تصديق على قرارات أمنية، حيث تتكامل لغة لا يفهمها الطفل، واعترافات انتُزعت بالقوة، وقضاة بزيّ عسكري، لتُنتج حكمًا جاهزًا مهما كانت الحقائق.
1. اللغة — العبرية: قاعة لا يفهم الطفل فيها شيئًا
يُحاكَم الأطفال الفلسطينيون أمام محاكم عسكرية تُدار:
باللغة العبرية بالكامل، دون وجود مترجم محترف، ودون شرح واضح لما يجري
يجلس الطفل في مواجهة القاضي، الجندي، المدعي العسكري، والشرطي… وجميعهم يتحدثون لغة لا يفهمها.
يقول طفل من رام الله (14 عامًا): "ما فهمت كلمة واحدة… كنت بسمع أصوات بس مش فاهم شو بحكي القاضي."
بهذه الصورة، يُحرم الطفل من أهم ضمانة قانونية: فهم إجراءات محاكمته.
2. غياب المحامي فعليًا — دفاع مقيد ومراقب
حتى حين يُسمح للمحامي بالحضور، غالبًا ما يكون دوره شكليًا ومقيّدًا:
يتم منع المحامي من الاطلاع على "الملف السري"
يمنع من مقابلة الطفل قبل الجلسة
يواجه عراقيل للدخول للقاعة أو التواصل
يواجه محاكمات سريعة يصعب فيها الدفاع الفعلي
في كثير من الأحيان، لا يرى الطفل محاميه إلا للحظات، أو يلتقيه وهو مكبل.
بهذا، يتحول "الحق في الدفاع" إلى ورقة شكلية بلا مضمون.
3.الاعتماد على اعترافات تحت التعذيب — الاعتراف أهم من الحقيقة
تشير شهادات غالبية الأطفال إلى أنهم:
"وقّعوا أوراقًا لا يعرفون محتواها… تحت الخوف أو الضرب".
يؤكد الأطفال أنهم:
وقّعوا اعترافات بالعبرية
لا يعرفون ماذا كُتب فيها
كانوا مرهقين، خائفين، مهددين
كانوا يتوقون لوقف التعذيب
وبحسب منظمات دولية، تُستخدم الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب في 92% من ملفات الأطفال.
وهذا يجعل المحاكمة مجرد آلية لتثبيت ما كُتِب مسبقًا، لا للتحقق من الحقيقة.
4. القاضي — ضابط جيش: حكم بيد المنظومة الأمنية
القاضي العسكري ليس شخصية قضائية مستقلة، بل: ضابط جيش، يتلقى تعليماته من المؤسسة العسكرية، يعمل ضمن منظومة أمنية ذات أهداف سياسية، يتبنى خطاب "الأمن القومي"
وبذلك، يصبح القاضي جزءًا من الجهة التي اعتقلت الطفل، لا جهة مستقلة عنه.
هكذا تُلغى أبسط مبادئ العدالة: استقلال القضاء.
5. الجلسات مغلقة — لا عائلة، لا رقابة، لا شفافية
تُعقد جلسات محاكمة الأطفال غالبًا بقرار "سري" أو "مغلق":
يمنع حضور العائلة
يمنع الإعلام
يمنع الهيئات الحقوقية من المتابعة
يمنع أي شكل من الرقابة المستقلة
الطفل يُحاكم وهو معزول تمامًا عن بيئته ودعمه العاطفي، وهذا العزل جزء من عملية تحطيمه نفسيًا داخل المحكمة نفسها.
6. نسبة الإدانة 99% — الحكم مكتوب مسبقًا
تقارير دولية، بينها تقارير هيومن رايتس ووتش والضحايا الفلسطينيين، تؤكد أن: نسبة الإدانة في المحاكم العسكرية الإسرائيلية تتجاوز 99%.
وهذا يعني: أن الحكم جاهز قبل الجلسة، القضاء مجرد ختم على قرار أمني، الحقيقة لا قيمة لها
المحاكمة ليست سوى إجراء شكلي لإضفاء طابع "قانوني" على العقوبة بهذه النسبة، تتحول المحكمة من قاعة عدل إلى غرفة تصديق على قرارات عسكرية.
المحصلة القانونية — هذه ليست محاكمات… بل جريمة قانونية كاملة
ما يحدث في المحاكم العسكرية يمثل خرقًا صارخًا لـ:
اتفاقية حقوق الطفل (CRC)
المادة 40: حق الطفل بمحاكمة عادلة، ومحامٍ، وفهم الإجراءات.
العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)
المواد 9 و14: المحاكمة العادلة، الحق في الدفاع.
القانون الدولي الإنساني
حظر محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية غير مستقلة.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
المحاكمات القائمة على الاعترافات تحت التعذيب = جريمة حرب.
المحاكمات العسكرية للأطفال في إسرائيل ليست قضاءً، بل امتدادًا للتعذيب.
هي محاكمات تُدار بلغة لا يفهمها الطفل، ويُبنى ملفها على اعترافات مُنتزعة تحت الألم، ويُصدر حكمها ضابط جيش، وتُجرى دون رقابة أو حضور العائلة.
إنها منظومة صُممت لتُدين، لا لتحكم؛
لتعاقب، لا لتتحقق؛
لتصفّي، لا لتطبق العدالة.
وبهذا، فهي إجراء غير قانوني، وغير إنساني، وغير شرعي بموجب القانون الدولي.
ثاني عشر: توصيات "تضامن"
انطلاقًا من مسؤوليتها الأخلاقية والحقوقية في حماية الأطفال الفلسطينيين، وإزاء ما وثّقته من أنماط التعذيب، والاعتقال التعسفي، والاحتجاز غير القانوني، والمحاكمات العسكرية، والاختفاء القسري، والحرمان من التعليم، تُقدّم «تضامن» حزمة التوصيات التالية إلى المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والهيئات القضائية الدولية، والدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان:
1.الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأطفال المعتقلين
باعتبار أن احتجاز الأطفال خارج الأطر القانونية الدولية يشكّل جريمة مستمرة، وأن استمرار اعتقالهم يعرضهم لخطر التعذيب والانتهاكات النفسية والبدنية، تطالب «تضامن» بالإفراج الفوري عنهم، دون قيد أو شرط.
2. وقف المحاكمات العسكرية بحق القاصرين
محاكمة الأطفال أمام محاكم عسكرية يناقض بشكل مباشر اتفاقية حقوق الطفل وقواعد العدالة الدولية. تدعو «تضامن» لوقف هذا الإجراء غير الشرعي واستبداله بمحاكم مدنية مستقلة تضمن حق الطفل في الدفاع والمحاكمة العادلة.
3.وقف الاعتقال الإداري للأطفال فورًا
باعتبار أن الاعتقال الإداري قائم على “الملف السري” وينتهك مبدأ اليقين القانوني، وتؤكد «تضامن» أنه يشكّل تعذيبًا نفسيًا للأطفال ويجب إنهاؤه دون تأخير.
4.السماح للمنظمات الدولية — خاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر — بالزيارات الدورية والمنتظمة
لضمان حماية الأطفال المحتجزين ومنع التعذيب، تطالب «تضامن» بفتح السجون والمعسكرات أمام الصليب الأحمر والمنظمات الحقوقية لإجراء زيارات مستقلة وإصدار تقارير دورية.
5.فتح تحقيق دولي مستقل ومحايد حول أنماط التعذيب والانتهاكات
توصي «تضامن» بتشكيل آلية تحقيق دولية وفق المادة 90 من البروتوكول الإضافي الأول واتفاقية مناهضة التعذيب، للتحقيق في المعاملة التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون داخل السجون والمعسكرات، خصوصًا في سدي تيمان، زيكيم، وعنتوت.
6. ملاحقة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية (ICC)
بموجب نظام روما الأساسي، فإن التعذيب، الاعتقال غير القانوني، العنف الجنسي، واستخدام الأطفال كأدوات عقابية هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. تدعو «تضامن» إلى تقديم الملفات المكتملة للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عنها.
7.توفير برامج تأهيل نفسي وطبي وتعليمي للأطفال المفرج عنهم
توصي «تضامن» بإنشاء برامج متخصصة لإعادة دمج الأطفال الذين خرجوا من السجون، تشمل:
علاجًا نفسيًا للصدمات
دعمًا تعليميًا لتعويض الفجوات الدراسية
خدمات طبية لإعادة التأهيل
متابعة اجتماعية طويلة الأمد
حماية خاصة للأطفال ضحايا التعذيب الجنسي أو النفسي
8. مطالبة الأمم المتحدة بإرسال لجنة تحقيق خاصة بجرائم ضد الطفولة الفلسطينية
وفقًا لآليات حقوق الإنسان، ولا سيما اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، تدعو «تضامن» الأمم المتحدة لتشكيل لجنة تحقيق خاصة حول الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023، على أن تعمل بولايات محددة في أراضي الضفة الغربية، غزة، والقدس.