في قلب صحراء النقب، حيث لا تصل كاميرات الإعلام ولا لجان الصليب الأحمر، تمتد شبكة من المعسكرات العسكرية الإسرائيلية التي تحوّلت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى مراكز احتجاز غير معلنة.
تبدو هذه المعسكرات — وعلى رأسها “سدي تيمان” و“زيكيم” و“عنتوت” — مجرد نقاط مؤقتة لنقل المعتقلين، لكنها في الواقع بنية موازية للسجون تُدار خارج أي رقابة قانونية أو إنسانية، وتُمارَس فيها أشد أشكال التعذيب البدني والنفسي.
تقول منظمة هيومن رايتس ووتش (HRW) في تقريرها الصادر في 22 يوليو/تموز 2024 إن مئات الفلسطينيين، بينهم مدنيون من غزة والضفة، “يُحتجزون في معسكرات مكشوفة في ظروف غير إنسانية، ويتعرضون للضرب الجماعي، التجويع، والحرمان من النوم والرعاية الطبية.”
وفي تقرير آخر، وصفت منظمة بتسيلم معسكر “سدي تيمان” بأنه “أشبه بجحيمٍ في الهواء الطلق”، حيث يُجبر المحتجزون على الجلوس مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين تحت شمس الصحراء، ويُمنعون من الحديث أو الحركة، وتُعلّق لافتات تحذّر الجنود من “التعامل الإنساني” مع المعتقلين.
المفوضية السامية لحقوق الإنسان (OHCHR) أكدت في بيانها الصادر بتاريخ 5 أغسطس/آب 2024 أن “استخدام المعسكرات العسكرية كمواقع احتجاز سرية يشكّل انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني، ويضاعف مخاطر التعذيب والإخفاء القسري.”
وفي التفاصيل، رصدت المفوضية احتجاز معتقلين من غزة في مواقع مؤقتة بلا سقف أو مرافق صحية، بعد أن تم نقلهم من مراكز اعتقال ميدانية في الجنوب.
المنظمات الحقوقية الفلسطينية، ومنها مؤسسة الضمير ومركز الميزان، جمعت شهادات لمفرج عنهم من هذه المعسكرات أكدوا تعرضهم للضرب المبرح أثناء الاستجواب الميداني، وتجريدهم من الملابس، وحرمانهم من الماء والطعام لأيام.
إحدى الشهادات وثّقتها مؤسسة الميزان جاء فيها:
“نُقلنا إلى مكان أشبه بمخيم، كانت الأرض رملية، الشمس حارقة، لم يكن هناك ظل، لم يُسمح لنا بالنوم أو الكلام. كل من رفع رأسه كان يتعرض للضرب.”
هذه الشهادات، إلى جانب الصور الجوية ومقاطع الفيديو التي سرّبتها وسائل إعلام دولية مثل CNN وLe Monde، توثّق نمطًا واضحًا من نقل التعذيب من الزنزانة إلى الصحراء، في محاولة لعزل الجريمة عن العيون.
القانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقيات جنيف الرابعة، يحظر بشكل مطلق نقل المحتجزين إلى أماكن غير معلنة أو احتجازهم في ظروف تعرض حياتهم للخطر.
كما تعتبر اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984 أن الإهمال المتعمّد للظروف المعيشية الأساسية شكلٌ من أشكال التعذيب النفسي والجسدي.
أما نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) فيُصنّف “الاحتجاز أو الحرمان الشديد من الحرية في انتهاك للقانون الدولي” ضمن الجرائم ضد الإنسانية (المادة 7/1/هـ).
إنّ استمرار هذه المعسكرات، وتوسّعها تحت إدارة الجيش الإسرائيلي، يثبت أن التعذيب لم يعد فعلاً داخل الزنازين فحسب، بل سياسة جغرافية تمتدّ من الجدار إلى الصحراء.