معاناة الأسرى الفلسطينيين خلال رحلات "البوسطة" رحلة العذاب بين السجون والمحاكم


معاناة الأسرى الفلسطينيين خلال رحلات

  

رحلة البوسطة… المقبرة المتنقلة

في كل مرة يُنقل فيها الأسير الفلسطيني من سجن إلى آخر، أو إلى محكمة، أو حتى إلى مستشفى، يُلقى به في عربة حديدية مصفحة تُعرف باسم "البوسطة". غير أن الأسرى يطلقون عليها اسمًا أدق: رحلة العذاب أو المقبرة المتنقلة.

هذه الرحلة لا تشبه أي عملية نقل اعتيادية؛ إنها مساحة تُنزع فيها إنسانية الأسير بالكامل، ويُعامل خلالها كجسم يجب تكبيله وقمعه وتذكيره بأن كرامته خارج المعادلة.

 

في البوسطة، تتجمع أشد أدوات القهر:

الأيدي والأقدام مكبّلة بأصفاد معدنية مؤلمة، أقفاص ضيقة لا تسمح بالحركة، ساعات طويلة في أوضاع مرهقة، وحرمان كامل من الطعام والماء والراحة. أما الزنازين الانتقالية المحيطة بالرحلة فلا تختلف عن غيرها إلا بأنها أشد قسوة وأكثر اكتظاظًا وإهمالًا.

 

يقول الأسير المحرر علاء دقّة:

"رحلة البوسطة أصعب من سنوات السجن كلها… نحن لا نُعامل كبشر، بل كأشياء يجب نقلها تحت الحراسة، بلا رحمة، بلا وقت، بلا هواء."

"كانوا يأخذونني قبل الفجر بساعات، ويعيدونني بعد منتصف الليل، وكل ذلك من أجل جلسة محكمة لا تتجاوز دقائق."

 

أولاً: مركبة العذاب

  • مركبة مصفحة مغلقة تمامًا، مقسمة إلى أقفاص حديدية لا تتسع لحركة الأسير أو لتغيير وضعية جلوسه.
  • غياب التهوية والتكييف جعل الرحلة خانقة في الصيف وقاسية في الشتاء.
  • يجلس الأسير مكبَّلًا في وضعية غير إنسانية لمدة قد تصل إلى 15–20 ساعة.

 

ثانيًا: ساعات الانتظار المهينة في "المعبار"

قبل وبعد الرحلة، يُحتجز الأسرى في محطات انتقال تُعرف بـ "المعبار":

  • زنازين ضيقة، متسخة، بلا نوافذ.
  • تُمنع الراحة والنوم والطعام.
  • تمتد فترات الانتظار لساعات طويلة، وقد تصبح أطول من مدة الطريق نفسها.

روى أسرى عن رحلات استمرت أكثر من 20 ساعة بين سجنين لا تفصل بينهما سوى ساعة واحدة.

 

ثالثًا: انتهاك الخصوصية والكرامة

  • يُمنع الأسرى من استخدام دورات المياه، وفي حال سمح لهم، يتم ذلك بطريقة مهينة وتحت مراقبة مشددة.
  • إجبارهم على حبس البول لساعات طويلة يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة.
  • الأصفاد المعدنية تسبب جروحًا وتورمًا، خصوصًا في الرحلات الطويلة والمتكررة.

 

رابعًا: معاناة النساء والأطفال

الأسيرات الفلسطينيات

 

  • يتعرضن لغياب تام للخصوصية.
  • يُنقل بعضهن وهن مصابات أو مريضات بدون علاج.
  • يُجبرن على الجلوس لساعات مؤلمة دون وسادة أو دعم.

 

الأطفال الأسرى

  • يُنقلون في نفس الأقفاص الحديدية وذات الأصفاد.
  • يتعرضون للصراخ والترهيب، وأحيانًا الضرب.
  • يُحرمون من الماء والمراحيض لساعات طويلة.

 

خامسًا: البوسطة كأداة عقاب ممنهج

البوسطة ليست وسيلة نقل فحسب، بل أداة عقاب متعمدة:

  • نقل متكرر لا ضرورة قانونية له.
  • بعض الأسرى نُقلوا أكثر من 5 مرات في أسبوع واحد.
  • يؤدي ذلك إلى إنهاك جسدي، اضطرابات نوم، انهيار نفسي، وتفاقم الإصابات الناتجة عن التقييد الطويل.

 

سادسًا: الإطار القانوني

اتفاقية جنيف الرابعة (1949)

تلزم قوة الاحتلال بـ:

  • احترام كرامة المعتقلين أثناء النقل
  • ضمان الظروف الصحية والإنسانية
  • حظر الإذلال أو العقاب أثناء النقل

 

قواعد مانديلا – القاعدة 45

"يجب أن يجري نقل السجناء في ظروف إنسانية تراعي احتياجاتهم الصحية والبدنية وتحميهم من أي شكل من أشكال الإهانة."

 

تقارير المنظمات الدولية

منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش صنفتا أساليب نقل الأسرى ضمن:

المعاملة القاسية

التعذيب النفسي والجسدي

الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان

 

تُعدّ "البوسطة" إحدى أبشع أدوات القمع داخل منظومة الاعتقال الإسرائيلية؛ فهي مساحة يتحول فيها النقل إلى:

  • تعذيب صامت
  • إذلال ممنهج
  • استنزاف نفسي وجسدي

 

إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون خلال رحلات البوسطة يستوجب:

  • فتح تحقيق دولي مستقل
  • مساءلة قانونية للجهات المسؤولة
  • إلزام إسرائيل بتأمين وسائل نقل تراعي الكرامة الإنسانية

 

فالأسرى لا يُعذَّبون داخل الزنازين فقط، بل في كل خطوة من خطوات القهر الإداري، الذي يُسمّيه الاحتلال "إجراءات أمنية"، بينما يراه الأسرى: عذابًا يتحرك على عجلات.